فصل: مسألة حبس على أحد حبسا وقال هي لك حياتي ثم هي في سبيل الله أو صدقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة حبس شيئا في سبيل الله فأنفذ ذلك زمانا ثم أراد أن ينتفع به مع الناس:

قال مالك: من حبس دارا في سبيل الله أو سلاحا أو دابة فأنفذ ذلك في تلك الوجوه زمانا ثم أراد أن ينتفع به مع الناس، قال: إن كان ذلك من حاجة فلا أرى بذلك بأسا.
قال محمد بن رشد: قوله ثم أراد أن ينتفع به مع الناس معناه ينتفع به فيما سَبَّله فيه من السبيل، لا فيما سِوى ذلك من منافعه، فلهذا لم يَرَ بذلك بأسا إذا فعل ذلك من حاجة؛ لأن الاِختيار فيما جُعِلَ في السبيل ألا يعطي فيه إلاَّ لأهل الحاجة إليه، فإذا احتاج إليه في السبيل فاستعمله فيه لم يكن ذلك رجوعا منه فيما حبسه ولا عودا منه في صدقته، والله أعلم.

.مسألة حبس على أحد حبسا وقال هي لك حياتي ثم هي في سبيل الله أو صدقة:

قال مالك: ومن حبس على أحد حبسا، وقال: هي لك حياتي ثم هي في سبيل الله أو صدقة فإذا مات فهي في ثلثه.
قال محمد بن رشد: قد روى عن أشهب في هذا الأصل خلافُ هذا أنه يرى أن ذلك عنده من رأس المالِ؛ لأنه لَا يَرْجِع إليه ولا لورثته من بعده شيء منه أبدا، قاله ابن المواز، وقال ابن عبد الحكم عن أشهب وابن القاسم مثلَ قول مالك، وقال ابنُ لبابة إنما يكون من الثلث إن مات المحبَّس عليه قبل المحبس، وإما إن مات المحبس قبل موت المحبس عليه فهي من رأس المال لأنه قد بتلها في صحته فإنما ترجع إلى المتصدق عليه أو إلى السبيل من ملك المحبس عليه لا من ملكه، وجه قول مالك: إن ذلك يكون بعد موته من ثلثه صدقة على فلان أو في سبيل الله هو أن ذلك لم يبتل بَعْدُ للمتصدق عليه ولا في السبيل، وإن المحبس عليه إنما يستغله أو يسكنه طول حياة المحبس على ملكه، فإذا مات نفذ من ثلثه في الصدقة أو السبيل، فلو تَدَايَنَ على قياس هذا القول لَوجب أن يُباع في دينه، ووجه القول بأن ذلك يكون من رأس المال هو أن الحبس لما كان لا رجوع له إلى المحبس ولا إلى ورثته على حال من الأحوال كان كأنه قد أنْبَتّ منه وحصل ملكا للمتصدق عليه أو مبتولا للسبيل، والمحبَّسُ عليه إنما يستغله أو يسكنه على ملك من إليه المرجع.
وعلى هذا الأصل اختلف قولُ مالك في الرجل يُخْدِمُ عبدَه رجلا سنين ومرجعه لآخر فيُقتَل العبدُ أو يجْرَحُ أو يموت وله مال، هل يكون عقله إن قتل وأرش جرحه إن جرح أو ماله إن مات لسيده الذي أخدمه أو للذي له المرجع، وقع اختلاف قولُ مالك في هذا في رسم العتق من سماع عيسى من كتاب الجنايات، واختلف قولُ ابن القاسم في ذلك أيضَاَ فأشار في رسم العتق من الكتاب المذكور أن ذلك لسيده الأول، وله مثلُ ذلك في رسم القضاء العاشر من سماع أصبغ من كتاب الخدمة، وخلافُه مثلُ قول مالك الآخر في رسم يشتري الدور والمزارع من سماع يحيى من كتاب الخدمة أيضا، وعلى هذا الأصل اختلف أيضا في الرجل يُخْدِمُ عبده رجلا سنة ثم هو له بعد السنة هل يباع قبل تمام السنة في دينه أم لا؟ فقال في رسم العتق من سماع عيسى من كتاب الخدمة: إنه لا يباع في دينه حتى تنقضي السنة وتجب له، وخالف في ذلك ابن حبيب فقال: إنه يباع في دينه ولا ينتظر به انقضاء الخدمة، وحكاه عن مطرف وقال: هذا ما لا شك فيه عندنا ولا اختلاف، فلكلا القولين في مسألتنا وجه من النظر، والأظهر منها ما قاله مالك من أنه يكون من الثلث ولو لم يجز الحبس عن المحبس حتى مات وهو بيده لكان من ثلثه في السبيل أو الصدقة قولا واحدا على ما قاله في رسم الوصايا من سماع أصبغ، وأما قول ابن لبابة في تفرقته بين أن يموت المحبس عليه قبل المحبس أو بعده فتفرقةٌ لا وَجْهَ لها في النظر؛ لأن المحبس عليه إن مات قبل المحبس لا يرجع الحبس إليه، وإنما يكون لورثة المحبس عليه إلى أن يموت المحبس، فلا فرق بين أن يموت قبله أو بعده في كونه من ليأس المال أو من الثلث وبالله التوفيق.

.مسألة أوصى بوصية لبعض ورثته دون بعض ثم جعلها من بعدهم لغيرهم:

قال مالك: من أوصى بوصية لبعض ورثته دون بعض ثم جعلها من بعدهم لغيرهم فهي على سائر الورثة الزوجة والأم، ومن لم يوص له بشيء يدخلون معهم فيأخذون قدرَ ما يصيبهم من الميراث، فإذا هلك رجل من الورثة الذين أوصى لهم صار نصيبه لولده وخرج نصيب الأم والزوجة والأخت من ذلك وثبت في غيره في حظوظ أعيان الولد حتى ينقرض أخرهم، فإذا انقرض أعيان الولد الذين أوصى لهم سقط نصيب الزوجة والأم، فإن هلكت الزوجةُ والأم دخل من يرثهما مكانَهما في الميراث مع الولد، فإذا هلك الولد ورثه ولده وانقطع ميراث الأم والزوجة وميراث من ورثهم إن كانوا قد هلكوا.
قال محمد بن رشد: المعنى في هذه المسألة أنه أوصى لبعض ورثته دون بعض بحُبُس تجري عليهم غلته بدليل قوله: ثم جعلها من بعدهم لغيرهم، إذ لو أوصى لبعض ورثته دون بعض بوصية قال: لم يصح أن يكون لغيرهم من بعدهم ولوجب إن لم يُجِزْ ذلك سائر الورثة أن يبطل ويرجع ميراثا بين جميعهم، ولم يكن في ذلك كلام ولا إشكال.
وتنزيلُ المسألة على المعنى الذي أراده أن يكون الموصي قد ترك من الورثة أربعة بنين وابنة وزوجة وأُمَّا وأوصى أن يحبس على الذكران من أَوْلَادهِ ثم على أولادهم من بعدهم حُبُسا له غلة يكون موقوفا عليهم، فلم يجز ذلك سائر الورثة الذين لم يوص لهم، وهم الزوجة والأم والأخت أنهم يدخلون مع الموصي لهم في غلة الحبس فيقتسمونها بينهم على سبيل الميراث، وذلك الذي أراد بقوله: فهي على سائر الورثة الزوجة والأم ومن لم يوص له بشيء يدخلون معهم، فيأخذون قدر ما يصيبهم من الميراث.
وقوله بعد ذلك: فإذا هلك رجل من الورثة الذين أوصى لهم صار نصيبُه لولده وخرج نصيب الأم والأخت والزوجة من ذلك، يريد صار نصيبه كاملا لولده دون أن تأخذ منه الأم والأخت والزوجة شيئا وهو الربع؛ لأن المحبس عليهم أربعةٌ فإذا توفي أحدهم صار الربع كاملا لولده لأنهم غير ورثة فلا تدخل عليهم فيه الزوجة ولا الأم ولا الأخت.
وقولُه: وثبت في غيره من حظوظ أعيان الولد حتى ينقرضوا يريد أن الثلاثة الأرباع يدخل فيها مع الإِخوة الثلاثة الباقين لأنهم ورثة الأم والزوجة والأخت، فيكون ذلك بينهم على فرائض الله.
وقوله: حتى ينقرض أخرهم يريد أن يُعمل في موت من مات منهم بعد الأول ما عمِل في موت الأول من أن يكون الربعُ الثاني لولده لأنهم غير ورثة فلا تدخل عليهم فيه الزوجة ولا الأم ولا الأخت، وكذا إذا مات الثالث وكذلك إذا مات الرابع وهو أخرهم يصير الربعُ لولده كاملا لأنهم غير ورثة ويسقط نصيبُ الزوجة والأم يريد والأخت جملة فلا يكون لهن شيء.
وقوله: فإن هلكت الزوجة والأم يريد أو الأخت دخل من يرثهما مكانهما في الميراث مع الولد يريد معهم كلهم في جميع الغلة أو مع من بقي منهم في حظه منها وهو الربع لأنهم أربعة على التنزيل الذي لنا عليه المسألة، فإذا انقرضوا كلهم رجع الحبس إلى أولادهم لأنهم غير ورثة ولم يكن لمن لم يوص له من الورثة في ذلك حجة ولا كلام؛ لأن الحبس قد صار إلى غير ورثة، فهذا بيان هذه المسألة وفيها معنى ينبغي أن يوقف عليه وهو قوله فيها فإن هلك رجل من الورثة الذين أوصى لهم صار نصيبه لولده وهو قد حبس عليهم ثم على أولادهم من بعدهم إذ لا يقتضي قوله: ثم على أولادهم من بعدهم إلا يدخل ولو من مات منهم في الحبس حتى يموتوا كلهم؛ لأن قوله ثم على أولادهم من بعدهم يحتمل أن يريد به ثم على أعقابهم من بعد انقراض جميعهم، وأن يريد به ثم على أعقاب من انقرض منهم إلى أن ينقرض منهم إلى أن ينقرض جميعهم لاحتمال اللفظ للوجهين جميعا احتمالا واحدا، وكذلك كل ما كان على صيغته من الألفاظ عَطْفَ جمع على جمع بحرف ثَم يجوز أن يعبر به عن كل واحد من الوجهين، وذلك بين من قَوْله تَعَالَى: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ} [البقرة: 28] لأنه قد علم أنه أراد بقوله عز وجل فأحياكم ثم يميتكم، أنه أمات كل واحد منهم بعد أن أحياه قبل أن يحيي بقيتهم وأنه أراد عز وجل ثم يحييكم أنه لا يحيي منهم أحدا حتى يُميت جميعَهم، والصيغة في الفصلين واحدة فلولا أن كلّ واحدة منهما محتملةٌ للوجهين لما صح أن يريد بالواحدة غيرَ مراده بالأخرى، وهذا أَبْيَنُ من أن يخفى، فإذا كان قولُه: ثم على أولادهم محتملا للوجهين وجب أن يكون حظ من مات منهم لولده، ولا يرجع إلى إخوته؛ لأن ما هلك عنه الرجل فولده أحق به من إخوته، فترجِّح بذلك أحدُ الاحتمالين في اللفظ؛ لأن الأظهر من قصد المحبس وإرادته أن يكون ذلك بينهم على سبيل الميراث فقال: ثم على أعقابهم، ألَّا يدخل الولدُ مع والده في الحبس حتى يموت، ولو أراد ألا يدخل في الحبس حتى يموت والدُه وجميع أعمامه المحبس عليهم مع والده لقال: ثم على أولادهم من بعد انقراض جميعهم، فلا اختلاف أعلمه في هذه المسألة نصا، وقد وقع لابن الماجشون في الواضحة ما ظاهره خلافُ هذا، وهو محتمل للتأويل، وقد ذهب بعضُ فقهاء زماننا إلى أن الولد لا يدخل في الحبس بهذا اللفظ حتى يموت والده وجميع أعمامه، وقال: إن لفظة ثم تقتضي التعقيب في اللسان العربي دون خلاف، فلا ينبغي أن يختلف إذا قال: ثم على أولادهم في أنه لا يدخل أحدٌ من الأولاد في الحبس إلا بعد انقراض جميع الأب، وتعلق بظاهر قول ابن الماجشون في الواضحة، ولا تعلق له فيه لاحتماله التأويل فقوله خَطَأٌ صُرَاحٌ بما بيناه.
وإنما يختلف في المذهب إذا حبس على جماعة معينين ثم صرف الحبس من بعدهم إلى من سِوَى أولادهم من وجه آخر يجعل مرجعَ الحبس إليه بعدهم على ثلاثة أقوال تقوم من المدونة فيمن حبس حائطه على قوم بأعيانهم فمات بعضهم وفي الحائط ثمرة لم تؤبر، أحدها: أن حظ الميت منهم يرجع إلى الوجه الذي جعل مرجع الحبس إليه بعدهم، وذلك على قياس قوله في مسألة المدونة إن حظ الميت منهم يرجع إلى المحبس، والقول الثاني: أن حظ الميت منهم يرجع إلى بقيتهم، وذلك على قياس قوله في المدونة: إن حظ الميت منهم يرجع على بقيتهم، والقول الثالث: أنه إن كان الحبس مما تقسم غلته كالثمرة والخراج رجع حظ الميت منهم إلى الوجه الذي جعل مرجع الحبس إليه بعدهم، وإن كان مما لا تقسم غلته عليهم كالعبد يَخْتَدِمُونَهُ والدار يسكنونها أو الحائط يَلُونَ عَمَله رجع نصيب الميت منهم إلى بقيتهم، وذلك على قياس مَا رواه الرواة عن مالك وأخذوا به حاشى ابن القاسم من التفرقة بين الوجهين، وقد حكى عبدُ الوهاب في المعونة أنَ الاختلافَ في هذه المسألة إنما هو فيما يقسم كالغلة والثمرة، وأنه لا اختلاف فيما لا يقسم كالعبد يُخْتَدَمُ والدار تسكن، وليس ذلك بصحيح على ما بيناه، وبالله التوفيق.

.مسألة الحبس على الموالي:

قال مالك: من حبس حبسا على مَوَالِيهِ ولهم أولاد وله مَوَالِي لبعض أقاربه رجع إليه وَلَاؤُهُمْ، قال: لا يكون الحبس إلا لِمَوَالِيهِ الذين أعتق، وأولادهم يدخلون مع آبائهم في الحبس؛ لأنهم مواليه إلا أن يخصهم بتسمية، قال ابن القاسم: وسمعت مالكا قال بعد ذلك: أرى موالي الأب والابن يدخلون مع مواليه ويُبَدَّأُ بالأقرب فالأقرب من ذوي الحاجة إِلَّا أن يكون الأبَاعِدُ أحْوَجَ فيؤثرون، وهذا قول مالك، وهو أَحَبُّ ما فيه إِلَي.
قال محمد بن رشد: كذا وقع في رواية ابن لبابة وله مَوالي لبعض أقاربه رجع إليه وَلاؤهم، وفي رواية أبي صالح يرجع إليه ولاؤهم، والصواب رجع إليه ولاؤهم؛ لأن من لم يرجع إليه ولاؤهم فليسوا بموالي له، فقوله بعد ذلك: أرى موالي الأب والابن يريد والأخ على ما قال في سماع ابن القاسم من كتاب الوصايا يدخلون مع مواليه معناه إذا كان ولاؤهم قد رجع إليه، وكذلك قال أصبغ في رسم سلعة سماها من سماع ابن القاسم من كتاب الوَصَايَا في الوصية: وهذا إذا كان ولاؤهم قد رجع إلى هذا الموصي فأما إذا لم يكن ولاؤهم قد رجع إليه فلا يدخلون في وصية، وفي المجموعة مثلُ قول مالك، الثاني قال غير ابن القاسم في الحبس على الموالِي: إنه يدخل فيه موالي ولد الولد والأجداد والأم والجدة يريد الجدة أم الأب وأم الجد لا أم الأم ولا أم أم الابن لأن النساء لا يرثن الوَلَاءَ، قال: والأخوة، ولا يدخل فيه موالي بني الأخوة والعمومة، قال: ولو أدخلت موالي هؤلاء أدخلت موالي القبيلة، وقد قيل إنه يدخل فيه من موالي قرابته كل من لو مات لَوَرِثَهُ وهو القايس على قول مالك الثاني وعلى ما قاله غير ابن القاسم في المجموعة من أنه يدخل فيه موالي الآباء والأبناء والإِخوة، ولا يلزم ما قال من أنه لو أدخل موالي بني الإخوة والعمومة لأدخل موالي القبيلة، كما لا يلزم إذا ورث بنو الأخ والعمومة أن يرث جميع القبيلة؛ لأن الميراث لا يكون إلَّا مع ثبوت النسب وكذلك الولاء.
وظاهر قول ابن وهب في سماع أصبغ من كتاب الوصايا أنه لا يدخل في وصية الموصي لمواليه إلا موالي عتاقته، وكذلك الحبس على قوله لا يدخل فيه أولادُ مواليه ولا موالي مواليه ويدخلون فيه على مذهب مالك، قاله في هذه الرواية في أولاد مواليهم، وقاله في رسم الشريكين بعد هذا السماع في موالي مواليه، ومثلُه لعلي في المجموعة.
فيتحصل في المسألة أربعةُ أقوال أحدها: أنه لا يدخل في ذلك إلا موالي عتاقته خاصة، والثاني: أنه يدخل في ذلك موالي عتاقته وأولادهم ومِواليهم، والثالث: أنه يدخل في ذلك موالي عتاقته وأولادهم ومواليهم وموالي أبيه وجده وولده وولد ولده وإخوته، والرابع: أنه يدخل فيه موالي عتاقته وأولادهم ومواليهم وموالي أبيه وابنه وجده وجميع عصبته، ولا يدخل فيه على مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك مع الموالي الأسفلين الذين أنعم عليهم الموالي الأعلون الذين أنعموا عليه، هذا منصوص في الوصايا من المدونة، وأشهب يرى أنهم يدخلون معهم ويُقسم الثلثُ أو الحبس بينهم بنصفين إن كان هؤلاء ثلاثة فأكثر، وهؤلاء ثلاثة فأكثر، وإن كان عدد هؤلاء ثلاثة وعدد هؤلاء عشرة فالثلث بينهم بنصفين كمال تدعيه طائفتان فيقسم بينهما بنصفين، وإن كان عدد الطائفة الواحدة أكثر عددا من الطائفة الأخرى فإن كان عدد أحدهما أقل من ثلاثة وعدد الآخر ثلاثة فأكثر فالثلث أو الحبس للذين عددهم ثلاثة فأكثر ولا شيء للذين عددهم أقل من ثلاثة لأنه إنما أوصى لجماعة فلا يكون للذين أقل من ثلاثة شيء، وإن كان عدد هؤلاء أقل من ثلاثة وعدد هؤلاء أقل من ثلاثة كان الثلث أو الحبس بينهما بنصفين؛ لأنه إنما أوصى لجماعة وهي لا تجتمع إلّاَ من الطائفين، فيقسم ذلك بينهم جميعا على عددهم، وهذا مذهب أشهب، ولو قال قائل: إنه يقسم بينهم جميعا على عددهم ما كانوا إن استووا في الحاجة لكان قولا له وجه؛ لأنه إذا احتمل أن يريد الذين من فوق والذين من أسفل احتمل أن يريدهم جميعا؛ لأن كل واحد منهم ينطلق عليه اسم مولى، فهذا أظهر من قول أشهب وأولى.
ومن أهل العلم خارج المذهب من يرى أن يقرع بينهما، ومنهم من يرى أن الوصية باطل إذْ لا يُعلم من أراد الموصِي منهما فيتحصل في المسألة خمسة أقوال لا وجه لقول منها إِلَّا ما غلب على ظن قائله من أن المحبس أو الموصي قصده وأراده بعرف أو عادة أو ظاهر مقتضى التسمية، وهذا إذا لم يكن ثَمَّ دَليل على أنه أراد الأعلى دون الأسفل أو الأسفل دون الأعلى مثل أن يكون أهل أحدهما أغنياء وأهل الثاني فقراء فيعلم أنه إنما قصد بوصيته إلى الفقراء دون الأغنياء كانوا من فوق أو من أسفل ومن دخل معهم على قول كل قائل فيبدأ منهم الأقرب على الأبعد إِلَّا أن يكون الأبعد أحوج كما قال في الرواية، وقد قيل: إنه لا يفضل الأقرب على الأبعد وهو ظاهر ما يأتي في رسم الشريكين بعد هذا كما قيل؛ لأنه لا يفضل الولد على ولد الولد، وفي هذا تفصيل واختلاف سنخلصه فيما يأتي في آخر هذا الرسم إن شاء الله وبه التوفيق.

.مسألة ما حازه الكبار لأنفسهم يجوز:

وقال مالك: من أسكن ولده وولد ولده دارا واستخلف عليها ولدا لولده كبيرا ليحوزَهَا لنفسه ومن سماها له معه، ثم إن الابن أسكن أباه الدار، قال: إن كان أسكنه بيتا في الدار فذلك جائز، وإن كان أسكنه الدار كلها فليس بجائز، وهي ترد في الميراث، قال ابن القاسم: وذلك رأيي، قال: وأخبرني مالك عن زيد بن ثابت وابن عمر مثل ذلك، قال ابن القاسم- قال مالك: حبس عمر وعلي وزيد وابن عمر.
قال محمد بن رشد: قوله إن كان أسكنه بيتا في الدار فذلك جائز معناه إن كان البيت يقع في ثلث الدار فأقل، وأما قوله وإن كان أسكنه الدار كلها فليس بجائز وهي ترد في الميراث فذلك ما لا اختلاف فيه وإنما يختلف إن كان أسكنه جلها أو ما هو أكثر من الثلث منها؛ لأن حيازة الكبير للصغار ولنفسه كحيازته لنفسه لو كان هو المحبَّس عليه وحده، فالمنصوص عليه لابن القاسم وأصبغ في الواضحة أن ما حازه الكبار لأنفسهم يجوز وإن كان الذي سكن الأب من الدار هو الأكثر، وفي آخر كتاب الرهون من المدونة في بعض الروايات أن الكل يبطل إذا سكن الأب الأكثر من الدار سواء حاز الأب البقية للصغار أو حازه الكبار لأنفسهم، ومثلُه لابن القاسم في رسم إن خرجت بعد هذا من هذا الكتاب، وأما الدور إذا سكن الأب أكثرها وحاز الكبار لأنفسهم بقيتها فيجوز لهم ما حازوه على ما قاله ابن القاسم في رسم إِن خرجت من سماع عيسى، ولا أعرف في ذلك نص خلاف.
وفرق أصبغ ما بين الدار والدور فقال: في الدور إن كل دار منها صغرت أو كبرت تصير كأنها محبسة على حدة، فإن سكن الأب جلها أو أكثر من الثلث منها بطل الحبس فيها كلها إن كان الأب هو الحائز لبقيتها، وإن كان الكبار هم الحائزون لبقيتها جاز لهم ما حازوه منها، وأما ما سواها من الدور فيجوز الحبس فيما حازه الأب للصغار أو حازه الكبار لأنفسهم، ومذهب ابن القاسم في الدور أن الأب إذا سكن الجل منها بطل الباقي إن كان الأب هو الحائز له، وجاز للكبار إن حازوه لأنفسهم، والحبسُ والهبة والصدقةُ في ذلك كله سواءٌ على مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك، وَفَرَّقَ مطرف وابن الماجشون بين الهبة والصدقة وبين الحبس فقال في الحبس: إذا كان هو الحائز له كقول ابن القاسم في أن سكناه اليسير منه لا يُبطل الحبسَ لماله من العذر في سكناه ليكون بإزائه لعمارته وإصلاحه وتسكينه، وقال في الهبة والصدقة وفي الحبس إذا لم يكن هو الحائز له إما بأن يكون الحبس على من يَحُوز لنفسه وإما بأن يكون على من يحوز له فأسند حيازته إلى غيره إِن ما سكن يبطل وما لم يسكن يجوز من غير تفصيل بين دار أو دور أو سكنى يسير أو كثير، فهذا تحصيل القول في هذه المسألة وبالله التوفيق.

.مسألة قوم حبست عليهم دار فخربت فأرادوا بيعها وابتياع دونها:

قال ابن القاسم وسمعت مالكا قال في قوم حبست عليهم دارٌ فخربت فأرادُوا بيعها وابتياع دُونهَا: إِن ذلك لا يجوز لهم، وأما الفرس يكلب أو يخبث فإنه يباع ويشتري بثمنه فرس يحبس مكانه.
قال محمد بن رشد: هذا هو مذهب ما في المدونة أن الرِّبْعَ الحُبُسَ لا يباع بأن خشي عليه الخراب، ومثله في رسم الأقضية، الثاني من سماع أشهب من كتاب جَامِع البيوع بخلاف ما بلى من الثياب وضعف من الدواب، والفرق بين ذلك أن الربع وإن خرب فلا تذهب البقعة ويمكن أن يعاد إلى حاله، وابن الماجشون يرى ألّا يُبَاعَ شيء من ذلك كله وهو قول غير ابن القاسم في المدونة، وروى عن ربيعة أن الإِمام يبيع الرِّبْعَ إذا رأى ذلك لِخَرَابِه كالدواب والثياب، وهو قول مالك في إحدى روايتي أبي الفرج عنه، قال: لا يباع الربع المحبس، وقال في موضع آخر: إِلَّا أن يخرب والله الموفق.

.مسألة حبس حبسا على ذكور ولده وأخرج الإناث منه إذا تزوجن:

قال مالك: من حبس حبسا على ذكور ولده وأخرج الإِناث منه إذا تزوجن فإني لا أرى ذلك جائزا وإنه من أمر الجاهلية، وليس على هذا توضع الصدقات لله وما يُرَادُ به وجهه إِلَّا ما تصدق به رجل وجعله بعد انقراض ولده في سبيل من سبيل الخير.
قال ابنُ القاسم: فقلت لمالك: أفترى لمن حبس حبسا وأخرج بناته منه إذا تزوجن أن يبطل ذلك ويسجل الحبس؟ قال: نعم وذلك وجه الشأن فيه، قال ابن القاسم: ولكن إذا فات ذلك فهو على ما حبس قال ابن القاسم: إن كان المحبس حيا ولم يُحَزْ الحبس فأرى أن يفسخه ويدخل فيه الإِناث، وإن كان قد حيز أو مات فهو فوت، وهو على ما جعله عليه.
قال محمد بن رشد: ظاهر قول مالك هذا أَن الحبس لا يجوز ويبطل على كل حال خلافُ مذهب ابن القاسم في أنه يمضي إذا فات ولا ينقض، وفوت الحبس عنده أن يحاز عن المحبس على ما قاله في هذه الرواية، فرأى للمحبس ما لم يُحَز الحبس عنه أن يُبْطِلَ الحبسَ ويُدْخل الإناث فيه ظاهر قوله وإن كره ذلك المحبس عليهم مُرَاعاة لقول من يقول إن الصدقات والهبات والأحباس لا تلزم ولا يجب الحكم بها حتى تقبض، وقد رُوي عن مالك أن ذلك مكروه من العمل، فعلى قوله هذا لا يفسخ الحبس إلّا أن يرضي المحبس عليهم بفسخه وهم كبار، وذهب محمد بن المواز إلى أنَ ذلك ليس باختلاف من قول مالك: فقال: إنما يفعل ما قال مالك من فسخ الحبس وأن يجعله مسجلا إنما ذلك ما لم يَأبَ عليه من حُبس عليهم، فإن أبَوْا لم يجز له فسخه ويقر على ما حبس وإن كان حيا إلا أن يرضوا له برده وهم كبار، قال مالك: إن لم يخاصم فليرد الحبس حتى يجعله على صواب، ظاهرهُ وإن كان لم يحَزْ عنه، وهو على قياس القول بأن ذلك عنده مكروه من الفعل، وقال ابن القاسم: وإن خوصم فليقره على حاله، ومعنى ذلك على مذهب والله أعلم إذا كان قد حيز عنه وهو الذي ذهبت إليه من التأويل في هذه المسألة على ابن القاسم من أنه فرق في فسخ الحبس بين أن يحاز عنه أو لا يحاز هو ظاهر قوله في هذه الرواية إن كان المحبِّس حيا ولم يحز الحبس فأرى أن يفسخه ويدخل فيه الإِناث، وإن كان قد حيز أو مات يريد أو مات بعد أن حيز فهو فوت، وهو على ما جعله عليه، وقد تأول على ما حكاه محمد بن المواز عن مالك وابن القاسم أنه ليس له أن يفسخ الحبس وإن كان لم يحز عنه إلا بأذن المحبس عليهم ورضاهم، وقد تأول أيضَاَ أنَ له أن يفسخه وإن كان قد حيز عنه وإن أبى المحبَّس عليهم مراعاة لقول من لا يرى إعمال الحبس جملة، وهو ظاهر قول ابن القاسم في رسم شك بعد هذا من هذا السماع، وفي رسم نذر، وتأول على ظاهر قول مالك في هذه الرواية أنَ الحبس يفسخ على كل حال وإن مات المحبس بعد أن حيز عنه الحبس.
فيتحصل على هذا في المسألة أربعة أقوال أحدها هذا، والثاني أن المحبس يفسخه ويدخل فيه الِإناث وإن حيز عنه، والثالث أنه يفسخه ويدخل فيه الإِناث ما لم يحز عنه فإن حيز عنه لم يفعل ذلك إلا برضى المحبس عليهم، والرابع أنه لا يفسخه ويدخل فيه الإِناث وإن لم يحز عنه إلا برضى المحبس عليهم.
وإخراج الإِناث من الحبس عند مالك أَشَرُّ في الكراهية من هبة الرجل لبعض ولده دون بعض على ما سيأتي القول فيه في رسم الشجرةِ ورسم نذر سنة من كتاب الصدقات وفي رسم الأقضية الثاني من سماع أشهب منه إذ لم يختلف قوله في أن هبة الرجل الشيء من ماله لبعض ولده دون بعض جائز نافد وإن كان ذلك مكروها لقول الله عز وجل: {وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا} [الأنعام: 139] وهو الذي أراد بقوله في الرواية وإنه من أمر الجاهلية وبالله التوفيق.

.مسألة أعمر عمري دارا أو خادما له ولعقبه ما عاشوا:

قال مالك: لو أن رجلا أعمر عمري دارا أو خادما له ولعقبه ما عاشوا ولم يقل مرجعه إِلَيَ ولم يجعل لمرجعها وجها ترجع إليه رجعت إليه كما لو اشترط.
قال محمد بن رشد: هذا هو مذهب مالك وجميع أصحابه أن العمري ترجع إِلى الذي أعمرها بعد موت المُعْمَرِ إن لم تكن معقبة وبعد انقراض العقب إِن كانت معقبة، ولم يأخذ مالك في العُمْرى بحديثه الذي رواه في موطئه عن ابن شهاب عن أبي سلمة عن جابر أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ قال: «أَيُّما رَجلٍ أَعْمَرَ عُمْرَىَ لَهُ وَلِعقِبِهِ فَإنَّهَا للذِي يُعْطَاهَا لاَ تَرْجِعُ إلَى الذِي أَعْطَاهَا» لَأنَّه أَعْطَى عَطَاء وَقَعْتْ فِيهِ المَوَارِيث، وذهب في ذلك إلى ما رواه عن ابن القاسم بن محمد أنه قال: ما أدركت الناس إِلَّا وهم على شروطهم في أموالهم وفيما أعطوا، فقال معنى الحديث أن العمرى لا ترجع إلى الذي أعطاها حتى ينقرض العقب، بدليل قوله في الحديث فإنها للذي يُعطاها والذي أعْطِيِّهَا هو المُعْمَر وعقيبه فَوَجب أن تكون لهم بنص الحديث وترجع بعد انقراضهم إلى المُعْمَر بالتأويل الصحيح، إذ لا يصح أن يكون ملكا لجميع العقب فمن قال إن العمرى المعقبة تكون ملكا للمُعْمَرِ فقد خالف الحديث، ومالك أَسْعَدُ به.
ومن أهل العلم من قال إن العمرى تكون ملكا للمُعْمَرِ وإن لم تكن معقبة، وهو مذهب الشافعي وأبي حنيفة وجماعة من أهل العلم سواهم على ما روي عن النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ من قوله: «مَن أُعْمِرَ شَيئا فَهُوَ لَه حَياتَهُ وَمَمَاتَهُ» ومن قوله أيضا: «العُمْرَى لِمَنْ وُهِبَتْ لَهُ»، ومن قوله أيضا: «مَنْ أُعْمِرَ عمْرَى فَهِي لَهُ وَلِعَقِبهِ يَرِثُهَا مَنْ يَرِثهَا مِنْ عَقِبِهِ»، ولم يصح عند مالك شيء من هذه الآثار وإنما صح عنده حديث جابر الذي ذكرناه فأخذ به على ما تأوله عليه من معناه.
ففي العمرى لأهل العلم ثلاثة أقوال أحدها: أنها تكون ملكا للمعمر قال فيها: هي لك عمرى أو هي لك ولعقبك عمري، والثاني: أنها تكون ملكا للمعمر في واحد من الوجهين وترجع إلى المُعْمِر ملكا بعد موت المعمَر أو بعد موته وانقراض عقبه إن كانت معقبة وهو مذهب مالك، والثالث: أنها تكون للمُعْمَر ملكا! إن كانت معقبة وترجع إلى المُعْمِر ملكا بعد موت المعْمَر إن لم تكن معقبة وبالله التوفيق.

.مسألة أخدمه أو أعمره أمة ثم عدا عليها فأحبلها صاحب الرقبة:

وسمعت مالكا قال: من أعمر خادما أو عبدا حياته ولا مال له ثم أَفَادَ مالا أو وُلدَ له ولدٌ قال مالك: ما ولد للأمة أو كان للعبد من أمة يملكا فهو على مثابتهما يخدمان المُعْمَرَ حياتَه، وما كان من مال فهو مَوْقُوفٌ على أيديهما يأكلان فيه ويكتسيان بالمعروف، وليس للمعمر ولا للمعمر أن ينتزعاه منهما ما عاشا، فإذا ماتا ورثهما سيدهما الذي يملك رقابهما، وإن قتل العبد عمدا أو خطا فإن عقله لسيده مثلُ الميراث، قال ابن القاسم وإن قَتَلَهُ سيده خَطَأ فلا شيء عليه، وإنَ قتله عمدا كان عقله عليه في السنين التي أعمر، فإن فضل فضل كان له.
قال عيسى بن دينار: تفسيره أن يغرم سيدُه القاتلُ القيمة فتوقّف للمُعْمَر فَيُسْتَأْجَر له منها من يخدمه مكانه، فإن مَات قبل أن يستنفذ الثمن رجع ما بقي من قيمته إلى سيده، قال ابن القاسم: ويكون عليه أن يستأجر له من يخدمه في تلك السنين بقيمته، فإن مات رجع فضل ذلك إلى سيده، قال سحنون وقد كان عبد الرحمن يقول: يُشْتَرَى بتلك القيمة عبدٌ آخر مكانه، وكذلك لو أخدمه أو أعمره أَمَة ثم عدا عليها فأحبلها صاحبُ الرقبة أن عليه أن يشتري أخرى مكانها، قال مكانها قال مالك: ما كان من ولد للعبد المُعْمَرِ من جاريتِه فهو بمنزلته.
قال محمد بن رشد: تكررت هذه المسألة على نصها في سماع ابن القاسم من كتاب الخدمة وقوله فيها إن ما ولد للأمة المُخدَمة أو العبد المخدم فهو بمنزلتهما صحيحُ لَا اعْتِرَاضَ فيه لقول النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ: «كُل ذَاتِ رَحِم فَوَلَدُهَا بِمَنْزِلَتِهَا».
وأما قوله فيما وهب لهما من مَال إنه يكون موقوفا على أيْدِيهِمَا يأكلان فيه ويكتسيان بالمعروف وإنه ليس لواحد منهما أن يَنْتزعه ففيه نظر لأن نفقة الأمة المخدمة وكسوتها على المُخْدَم على المشهور في المذهب، فالقياس أن يكون ما وهب لهما من مال لسيدهما الذي أخدمهما والذي يَملك رقابهما ينتزع ذلك إن شاء، ولا يكون لهما أن يأكلا منه ولا يكتسيا فيه، وقد قيل إن النفقة على سيده الذي أخدمه، فعلى قياس هذا يصح جوابه في هذَه الرواية وكذلك قولُه في المُعْمِر إذا قتل العبد الذي أعمره عمدا أو خطأ أو كانت أمة فأولدها: إنه يغرم القيمة فيستأجر منها للمُعْمَر من يخدمه مكانه فيه نظر؛ لأن القيمة إن نفذت والمخدَم حي يسقط حقه ولم يكن له شيء على قوله ومن حجته أن يقول لو لم تقتل لكان لي خدمتها إلى أن أموت، وهي في أم الولد أظهر؛ لأنه يقول كيف يبطل حقي الذي لي في خدْمتها إلى أن أموت وهى باقية لم تمت، فكان القياس أن يكون على قاتلها عمدا قيمة خدمتها على الرجَا والخَوْف، وقد وقع في المدنِيَة من رواية محمد بن يحيى السبائي عن مالك ما يشهد لما قلناه، وذلك أنه سئل عن امرأة أخدمت خادما لها امرأتين عمرهما ثم إنهما اشترت من إحداهما ما جعلت لها من الخدمة حياتها، ثم أعتقت الخادم كيف يصنع في ذلك؟ أتبطل الخدمة عن المعمرة الثانية التي لم تبع أم تقوم على المعتِقَة كيف الأمر في ذلك؟ قال: بل تقوم عليها قدرُ تلك الخدمة التي أخدمتها حياتها يريد على الرجا والخوف؛ لأنها لا تقدر على الرجوع في التي أخدمتها، فيقوم ذلك عليها ويتم العتق عليها، وذلك أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ قال: «مَنْ أَعْتَقَ شِرْكَا لَهُ فِي عَبْدٍ قُوِّمَ عَلَيْهِ حَظُّ مَنْ بَقِيَ مِنْ شرَكَائِهِ وَعَتَقَ عَلَيْهِ العَبْدُ كُلُّهُ» فلا أرى هذا إلّا شِرْكا وإن لم يكن شريكه في الرقبة فإني أراها شركة بالخدمة، وهذا مثل ما قلناه من أن القياس أن يكون على المُعْمِرِ إذا قتل الأمة التي أعمرها عمدا أو أولدها قيمةُ خدمتها على الرّجاء والخوف إذ لا فرق بين تفويت الخدمة عليها بالعتق وبالإِيلاد أو بالقتل عمدا، ومن الدليل على ذلك رواية عيسى عن ابن القاسم في المدنية في مسألة السبائي عن مالك أن على المعتقة أن تُخرج نصف قيمة الخادم وليس قيمة الخدمة فتواجر التي لم تبع خدمتها منها حَيَاتَها وتعتق الخادم، فإن ماتت المخدمة قبل أن يستتمها رجع الفضل إلى المُعْتِقَةِ، فإن استتمتها قبل الموت فلا شيء لها عليها، وإن ماتت الخادم أيضا قبل الخدمة رجعت بقيمة الخدمة إلى المُعْتِقَة، قال: وكذلك وجدت في مسائل عبد الرحيم عن مالك، فَجَرَى ابنُ القاسم في العتق على أصله في القتل وَالإِيَلادِ، وكذلك قولُه في الرواية: إذا قتل الأجنبي العبد المخدم إن القيمة تكون لسيده مثل الميراث، ويبطل حق المُخْدَم ليس بوجه القياس والنظر، والذي يوجبه القياس على أُصولهم أن يتحاصا جميعا في القيمة يضرب فيها سيد العبد بقيمة المرجع على غرره، والمُخْدَم بقيمة الخدمة على غررها أيضا وبالله التوفيق.